الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
تفاسير سور من القرآن
65384 مشاهدة
تفسير قوله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ

وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .


وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ قرأه أكثر السبعة: يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بالجمع، وقرأه بعض السبعة: يرسل الريح بالإفراد، وعلى قراءة الإفراد فالمراد الجنس فلا تنافي قراءة الإفراد قراءة الجمع .
وقوله : نُشُرا بين يدي رحمته فيه قراءات كثيرة السبعيات منها أربع : نُشُرا بين يدي رحمته، نُشْرا بين يدي رحمته، نَشَرا بين يدي رحمته، بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ هذه القراءات الأربع هي السبعيات من القراءات التي في هذه الكلمة.
وقرأ بعضهم : نُشُرا بضم النون والشين، وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وقرأ بعضهم : نُشْرا بضم النون وسكون الشين، وقرأ بها من السبعة ابن عامر وحده، وقرأ بعضهم نَشْرا بفتح النون وسكون الشين وهي قراءة حمزة والكسائي
وقرأ عاصم وحده : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ هذه القراءات السبعية. على أن بعض السبعة قرأ: الرِّيَاحَ وبعضهم قرأ: الريح. ومعنى قراءة الريح جنس الرياح، ولا تنافي قراءة الإفراد قراءة الجمع .
أما من قرأ : نُشُرا؛ فنُشُرا جمع ناشرة أو جمع نشور، وفيها معنيان: أحدهما أنها تنتشر أمام المطر من هاهنا وهاهنا، أو أنها تلقح المطر الذي به إحياء الأرض الميتة فكأنها تنشره. والإنشار والنشور، النشور الحياة بعد الموت، وأنشره أحياه بعد الموت .
وأكثرهم على أن نُشُرا جمع نشور أو جمع ناشرة كما قال بعضهم: كشاهد وشهد. ونشور هي التي تنتشر أمام المطر فتأتي منتشرة من هاهنا ومن هاهنا، وعلى هذا القول فهو من الانتشار لأن الريح كأنها كانت راكدة كالشيء المطوي فإذا كانت أمام المطر نشرت كما ينشر الثوب، فجاءت منتشرة أمام المطر من هاهنا ومن هاهنا.
وقراءة ابن عامر نُشْرا بين يدي رحمته كقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو إلا أن ابن عامر خفف الشين فسكن ضمتها كما تقول: رُسُل ورُسْل، وكُتُب وكُتْب، ونُشُر ونُشْر. فمعنى قراءة ابن عامر كالقراءات التي قبلها وهو أن الله يرسل الرياح في حال كونها منتشرة من هاهنا وهاهنا أمام السحاب، وهذا من غرائب صنعه وعجائبه جل وعلا.
وعلى قراءة حمزة والكسائي نَشْرا ففيه من الجواب وجهان: أحدهما أنه ما غاب عن المطلق من مرسل الرياح؛ لأن معنى يرسلها في قوة ينشر الرياح بين يدي المطر نشرا، فتكون مفعولا مطلقا بالمعنى من مرسل، أو أنها مصدر منكر حال؛ أي يرسل الريح في حال كونها منتشرة أمام المطر أو ناشرة كما ذكرنا.
وعلى قراءة حفص يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ فالبُشْر هنا جمع البشير؛ لأن الرياح تبشر بإتيان المطر بعدها، ويبشر المطر، كما يدل عليه قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ فإجراء الريح وانتشارها من هاهنا وهاهنا أمام المطر مبشرة بغرائب صنعه وعجائبه، ومن عظائم نعمه على خلقه.
وهو معطوف على قوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ هذا الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وأغشى الليل النهار. كذلك هو الذي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ .
ومعنى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ؛ المراد بالرحمة هنا المطر؛ لأن المطر رحمة الله يرحم بها عباده في الدنيا فيكونون في جدب وفي فقر، ومواشيهم على وشك الهلاك فيغيثهم الله بالمطر، فتنبت زروعهم وثمارهم، وتنعم مواشيهم؛ فتكثر عندهم اللحوم والأثمان والأزباد، وتتوفر عندهم الأشعار والأصواف والأوبار ينسجون منها اللباس وغيره من الفرش والخيام وما جرى مجرى ذلك؛ فهذا من غرائب آياته، وعظائم نعمه.
ومعنى بين يدي المطر يعني أمام المطر قدامه، منتشرة قدامه مبشرة به، وهذا من غرائب صنعه وكبائر نعمه. والريح اختلف الفلاسفة في حدها وربما عجزوا عنه، فبعضهم يقول الريح: هواء يتحرك، والريح هي هذا الشيء الذي تشاهدونه وتحسونه، أما تعريفه فقد عسر على من أراده .
وعرفه بعضهم بأنه هواء يتحرك، وقد سلطها الله على قوم عاد فأهلكتهم عن آخرهم، وهذا معنى قوله: يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ؛ يعني أمام المطر؛ فقد سمى المطر رحمة؛ لأن الله يرحم به عباده فتخصب بلادهم وتنمو زروعهم ومواشيهم وثمارهم، ويكون هو أصل النعم الدنيوية على الخلق ولذا سماه رحمة هنا. وفي قوله في الروم: فَانْظُرْ إِلَى أَثَرِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وفي القراءة الأخرى: إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ .